فصل: بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْإِجَارَةِ وَشُرُوطِهَا وَوَقْتِ اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ ذَكَرَ هُنَا مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ (وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَذْكُرْ مَا يَعْمَلُ فِيهِ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْجَهَالَةِ كَالْأَرْضِ، وَالثِّيَابِ، فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ، وَالْعَمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ) مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِ فَلَهُ الْوُضُوءُ، وَالِاغْتِسَالُ وَغَسْلُ الثِّيَابِ وَكَسْرُ الْحَطَبِ الْمُعْتَادِ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِحَائِطِهِ، وَالدَّقُّ الْمُعْتَادُ الْيَسِيرُ وَأَنْ يَدُقَّ فِيهِ وَتَدًا وَيَرْبِطَ الدَّوَابَّ فِي مَوْضِعٍ مُعْتَادٍ لَهُ وَيُسْكِنَهَا مَنْ أَحَبَّ سَوَاءٌ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يُدْخِلَ دَابَّتَهُ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بَعْدَمَا سَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدَ الْعَقْدِ: اسْتَأْجَرْتُ هَذِهِ الدَّارَ لِلسُّكْنَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا غَيْرَ السُّكْنَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (سِوَى مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ كَالْحِدَادَةِ، وَالْقِصَارَةِ، وَالطَّحْنِ) مِنْ غَيْرِ رِضَى الْمَالِكِ أَوْ اشْتِرَاطِهِ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُوهِنُ الْبِنَاءَ، وَالْمُرَادُ رَحَى الثَّوْرِ وَالْمَاءِ لَا رَحَى الْيَدِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ النَّصْبِ فِيهِ وَلَوْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهَا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ، وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَإِنْ لَمْ يَنْهَدِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ نَوْعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ.
(وَ) صَحَّ (اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ إنْ بَيَّنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مَا يَزْرَعُ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِاسْتِئْجَارِهَا لِلزِّرَاعَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا يَتَفَاوَتُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ (أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ) فِيهَا (مَا شَاءَ) كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَشَاءُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً فِي الْقِيَاسِ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشِّرْبُ، وَالطَّرِيقُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا سَنَةً عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعَيْنِ رَبِيعِيًّا وَخَرِيفِيًّا.
وَفِي التَّنْوِيرِ آجَرَهَا وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِزَرْعِ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ بِحَقٍّ لَا تَجُوزُ مَا لَمْ يُسْتَحْصَدُ إلَّا أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُضَافَةً إلَى الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ بِغَيْرِ حَقٍّ صَحَّتْ.
(وَ) صَحَّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ (لِلْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ) أَيْ غَرْسِ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْعٌ مَقْصُودٌ بِالْإِجَارَةِ (وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ) أَيْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ طَوِيلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ طَوِيلَةٍ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرَ (أَنْ يَقْلَعَهُمَا) أَيْ الْبِنَاءَ، وَالْغَرْسَ (وَيُسْلِمَهَا) أَيْ الْأَرْضَ حَالَ كَوْنِهَا (فَارِغَةً) عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى يَتْرُكَا إلَيْهَا، وَفِي تَرْكِهَا عَلَى الدَّوَامِ ضَرَرٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَوَجَبَ الْقَلْعُ.
وَفِي الْقُنْيَةِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا وَبَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَفِي الْبَحْرِ، وَبِهَذَا تُعْلَمُ مَسْأَلَةُ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ (إلَّا أَنْ يَغْرَمَ) لِلْمُسْتَأْجِرِ (الْمُؤَجِّرُ) وَهُوَ صَاحِبُ الْأَرْضِ (قِيمَةَ ذَلِكَ) أَيْ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ (مَقْلُوعًا)؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمَا (بِرِضَى صَاحِبِهِ) أَيْ صَاحِبِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ إنْ لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِهِ) أَيْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ (فَبِدُونِ رِضَاهُ) أَيْ يَغْرَمُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكُهُ بِدُونِ رِضَى صَاحِبِهِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَغْرَمُ بِرِضَاهُ إنْ كَانَتْ تَنْقُصُ بِقَلْعِهِ وَمَعْرِفَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّمَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ، وَالشَّجَرِ وَيُقَوِّمَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَهُ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا (أَوْ يَرْضَيَا) عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ أَيْ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَكِنَّ رِضَى الْمُؤَجِّرِ يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ إلَى رِضَى الْمُسْتَأْجِرِ لِمَا قَالُوا فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَإِذَا رَضِيَ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى مَا كَانَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ تَأَمَّلْ (بِتَرْكِهِ) أَيْ بِتَرْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ عَلَى الْأَرْضِ (فَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِهَذَا) أَيْ لِلْمُؤَجَّرِ (وَالْأَرْضُ لِهَذَا) أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْأَرْضِ (وَالرَّطْبَةُ) فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَكَذَا الْكُرَّاثُ وَنَحْوُهُمَا (كَالشَّجَرِ) فِي الْقَطْعِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إذْ لَيْسَ لِانْتِهَائِهِمَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ (وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ) عَلَى الْأَرْضِ (بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ)؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُوجَدُ فِي التَّأْخِيرِ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ بِخِلَافِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ إدْرَاكِهِ، فَإِنَّهُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى الْحَصَادِ، وَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْلَى مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً وَيَلْحَقُ بِالْمُسْتَأْجِرِ الْمُسْتَعِيرُ فَيُتْرَكُ إلَى إدْرَاكِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَيُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ مُطْلَقًا.
(وَ) صَحَّ (اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ، وَالْحَمْلِ وَ) اسْتِئْجَارُ (الثَّوْبِ لِلُّبْسِ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُؤَجِّرُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الرُّكُوبَ أَوْ اللُّبْسَ بِمَعْنَى أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ وَيُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ شَاءَ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ وَيُلْبِسَ مَنْ شَاءَ)؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّاكِبِ، وَاللَّابِسِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ.
وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْحَاجَةِ (فَإِذَا رَكِبَ) الدَّابَّةَ (أَوْ لَبِسَ) الثَّوْبَ (هُوَ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْسُهُ (أَوْ أَرْكَبَ) الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ (أَوْ أَلْبَسَ) الثَّوْبَ (غَيْرَهُ تَعَيَّنَ) مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ (فَلَا يَسْتَعْمِلُهُ غَيْرُهُ) فَصَارَ كَالنَّصِّ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً.
وَفِي الْبَحْرِ وَإِذَا تَكَارَى قَوْمٌ مُشَاةٌ إبِلًا عَلَى أَنَّ الْمُكَارِيَ يَحْمِلُ عَلَيْهِ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ أَوْ مَنْ عَيَّ مِنْهُمْ فَهُوَ فَاسِدٌ (وَإِنْ قَيَّدَ) الْمُؤَجِّرُ (بِرَاكِبٍ) مُعَيَّنٍ (أَوْ لَابِسٍ) مُعَيَّنٍ (فَخَالَفَ ضَمِنَ) الْمُسْتَأْجِرُ إذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ أَوْ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ، وَاللُّبْسِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الضَّمَانِ مُمْتَنِعٌ.
(وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ) فِي كَوْنِهِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ مَعَ الْمُخَالَفَةِ، وَالتَّقْيِيدِ (وَمَا لَا يُخْتَلَفُ بِهِ) أَيْ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ (فَتَقْيِيدُهُ) أَيْ تَقْيِيدُ الْمُؤَجِّرِ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ (هَدْرٌ فَلَوْ شَرَطَ) الْمُؤَجِّرُ (سُكْنَى وَاحِدٍ) بِعَيْنِهِ فِي إجَارَةِ الدَّارِ (جَازَ) لِلْمُسْتَأْجِرِ (أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ)؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ فِي السُّكْنَى وَمَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَالْقِصَارَةِ فَهُوَ خَارِجٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، وَالْفُسْطَاطُ كَالدَّارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَاللُّبْسِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ضَرْبِهِ وَنَصْبِ أَوْتَادِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ.
(وَإِنْ سَمَّى مَا يَحْمِلُ عَلَى الدَّابَّةِ نَوْعًا وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ) يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (حَمْلُ مِثْلِهِ أَوْ) مَا (أَخَفُّ) مِنْهُ فِي الضَّرَرِ (كَالشَّعِيرِ، وَالسِّمْسِمِ لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا (مَا هُوَ أَضَرُّ) مِنْهُ (كَالْمِلْحِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةً مُقَدَّرَةً بِالْعَقْدِ فَاسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ كُرَّ حِنْطَةٍ لِغَيْرِهِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِحَمْلِ كُرِّ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَلَهُ حَمْلُ كُرِّ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُضَمِّنَهُ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا خِلَافَ الْجِنْسِ كَيْفَ مَا كَانَ لِلْمُخَالَفَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّقَيُّدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَلَا فَائِدَةَ هُنَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَحَمَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ الْقُطْنِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْبُرِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي هَذَا أَيْضًا عَدَمَ الضَّمَانِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّعِيرِ أَوْ الْقُطْنِ مِثْلُ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا وَزْنًا وَبِهِ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
(وَإِنْ سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْقُطْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا)؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا فَيَضُرُّهَا أَكْثَرَ.
(وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا سَمَّى فَعَطِبَتْ) الدَّابَّةُ (ضَمِنَ قَدْرَ الزِّيَادَةِ إنْ كَانَتْ تُطِيقُ مَا حَمَّلَهَا)؛ لِأَنَّهَا عَطِبَتْ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ مِائَةَ مَنٍّ، وَزَادَ عَلَيْهِ عِشْرِينَ مَنًّا يَضْمَنُ سُدُسَ الدَّابَّةِ وَأَشَارَ بِالزِّيَادَةِ إلَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَلَوْ حَمَلَ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْمُسَمَّى وَجَبَ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَإِلَى أَنَّهُ حَمَلَ الزِّيَادَةَ مَعَ الْمُسَمَّى مَعًا فَلَوْ حَمَلَ الْمُسَمَّى وَحْدَهُ ثُمَّ حَمَلَ الزِّيَادَةَ وَحْدَهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا حَمَّلَهَا (فَكُلَّ الْقِيمَةِ) لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ هَذَا إذَا حَمَّلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ أَمَّا إذَا حَمَّلَهَا صَاحِبُهَا بِيَدِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ حَمَّلَا مَعًا وَجَبَ النِّصْفُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَوْ حَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ جُوَالِقًا وَحْدَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَجْعَلُ حَمْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْأَجْرِ إذَا هَلَكَ.
وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ لَا يُقَالُ: كَيْفَ اجْتَمَعَ الْأَجْرُ، وَالضَّمَانُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْأَجْرُ فِي مُقَابَلَةِ الْحَمْلِ الْمُسَمَّى، وَالضَّمَانُ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأَجْرِ إذَا سَلِمَتْ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنْ يَجِبَ الْمُسَمَّى فَقَطْ أَمَّا إذَا حَمَّلَهُ الْحَمَّالُ بِنَفْسِهِ وَحْدَهُ فَلَا كَلَامَ، وَأَمَّا إذَا حَمَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ زَائِدًا عَلَى الْمُسَمَّى فَمَنَافِعُ الْغَصْبِ لَا تَضْمَنُ عِنْدَنَا، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْمُكَارِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحَمِّلُ الْمُسْتَأْجِرُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُسَمَّى إلَّا بِرِضَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَرَى الْمُكَارِي جَمِيعَ مَا يُحَمِّلُهُ انْتَهَى (وَفِي الْإِرْدَافِ يَضْمَنُ النِّصْفَ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ إذَا اسْتَأْجَرَ الدَّابَّةَ لِيَرْكَبَهَا فَأَرْدَفَ مَعَهُ رَجُلًا فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ نِصْفَ قِيمَتِهَا (وَلَا عِبْرَةَ بِالثِّقَلِ)؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْعَالِمِ بِالْفُرُوسِيَّةِ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ ثَقُلَ وَرُكُوبُ غَيْرِ الْعَالِمِ أَضَرُّ، وَإِنْ خَفَّ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُطِقْ حَمْلَهُمَا يَضْمَنْ كُلَّ الْقِيمَةِ، وَقَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الرَّدِيفُ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقَلِهِ وَقَيَّدَ بِالْإِرْدَافِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاكِبَ فَالرَّاكِبُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ، وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ كَبَحَهَا) أَيْ الدَّابَّةَ مِنْ كَبَحْت الدَّابَّةَ بِلِجَامِهَا إذَا رَدَّهَا، وَهُوَ أَنْ يَجْذِبَهَا إلَى نَفْسِهِ لِتَقِفَ وَلَا تَجْرِيَ (أَوْ ضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ) أَيْ هَلَكَتْ (ضَمِنَ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (فِيمَا هُوَ مُعْتَادٌ)؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ فِي السَّيْرِ مُعْتَادٌ فَكَانَ مَأْذُونًا فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ إنْ ضَرْبَهُ لِلدَّابَّةِ يَكُونُ تَعَدِّيًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ قَيَّدَ بِالْكَبْحِ؛ لِأَنَّ بِالسَّوْقِ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا.
(وَإِنْ تَجَاوَزَ بِهَا) أَيْ بِالدَّابَّةِ (مَكَانًا سَمَّاهُ) فَعَطِبَتْ (ضَمِنَ) قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا (وَلَا يَبْرَأُ) عَنْ الضَّمَانِ (بِرَدِّهَا) أَيْ الدَّابَّةِ (إلَى مَا سَمَّاهُ) أَيْ إلَى مَكَان سَمَّاهُ.
(وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (اسْتَأْجَرَهَا ذَهَابًا وَإِيَابًا فِي الْأَصَحِّ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ إلَى الْوِفَاقِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ كَالْمُودِعِ، وَلَنَا أَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَتْ يَدَ الْمَالِكِ وَلَا بُدَّ مِنْ الرَّدِّ إلَيْهِ بَعْدَ التَّعَدِّي، وَبِالْعَوْدِ لَا يَكُونُ رَادًّا لَهَا إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُودِعِ، فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ، فَإِذَا عَادَ الْمُودِعُ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ إلَى يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا فَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا اسْتَأْجَرَ ذَاهِبًا فَقَطْ لَا جَائِيًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ انْتَهَتْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَضْمَنُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْإِطْلَاقُ أَصَحُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: التَّقْيِيدُ أَصَحُّ.
(وَإِنْ نَزَعَ سَرْجَ الْحِمَارِ) الَّذِي اكْتَرَاهُ بِسَرْجٍ (وَأَسْرَجَهُ بِمَا يُسْرَجُ بِهِ مِثْلُهُ) فَهَلَكَتْ (لَا يَضْمَنُ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُمَاثِلُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَهُ إذْنُ الْمَالِكِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ أَسْرَجَهُ أَوْ أَوْكَفَهُ بِمَا لَا يُسْرَجُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَسْرَجَهُ (أَوْ بِمَا لَا يُوكَفُ بِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْكَفَهُ (مِثْلُهُ) فَهَلَكَتْ (ضَمِنَ) جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا.
(وَكَذَا إنْ أَوْكَفَهُ بِمَا يُوكَفُ بِهِ مِثْلُهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ يُسْتَعْمَلُ بِغَيْرِ مَا يُسْتَعْمَلُ لَهُ السَّرْجُ وَهُوَ الْحَمْلُ وَأَثَرُهُ يُخَالِفُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَسِطُ انْبِسَاطَ السَّرْجِ فَكَانَ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ خِلَافًا إلَى جِنْسِ غَيْرِ الْمُسَمَّى فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا مِنْ الْمُسَمَّى فَيَضْمَنُ الْكُلَّ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَا يُسْرَجُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِإِكَافٍ فَأَوْكَفَهَا بِإِكَافٍ مِثْلِهِ أَوْ أَسْرَجَهَا مَكَانَ الْإِكَافِ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عُرْيَانَةً فَأَسْرَجَهَا وَرَكِبَهَا ضَمِنَ قَالَ مَشَايِخُنَا: إذَا اسْتَأْجَرَهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فِي الْمِصْرِ إنْ كَانَ الْمُسْتَكْرِي مِنْ الْأَشْرَافِ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ قَالَ.
وَفِي الْكَافِي الضَّمَانُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الْمَشَايِخِ، وَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى (وَقَالَا: يَضْمَنُ قَدْرَ مَا زَادَ وَزْنُهُ عَلَى السَّرْجِ فَقَطْ) حَتَّى لَوْ كَانَ وَزْنُ الْإِكَافِ ضِعْفَ وَزْنِ السَّرْجِ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِانْعِدَامِ الْإِذْنِ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ، وَالْجَوَابُ قَدْ مَرَّ آنِفًا.
وَفِي الْعِنَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْمَضْمُونِ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ: هُوَ ضَامِنٌ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَإِنَّمَا الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِيهَا رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ مَا زَادَ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا أَصَحُّ وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ، وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ بِحِسَابِهِ فِي الثِّقَلِ، وَالْخِفَّةِ حَتَّى إذَا كَانَ وَزْنُ السَّرْجِ مَنَوَيْنِ، وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءٍ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا.
(وَإِنْ سَلَكَ الْحَمَّالُ طَرِيقًا غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ الْمَالِكُ مِمَّا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَمَّالِ (إنْ لَمْ يَتَفَاوَتْ الطَّرِيقَانِ)؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ.
(وَإِنْ تَفَاوَتَا) أَيْ الطَّرِيقَانِ بِأَنْ كَانَ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ أَعْسَرَ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ أَخْوَفَ مِنْ الطَّرِيقِ الْآخَرِ (أَوْ كَانَ) الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ (مِمَّا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ)، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ لَك عَدَمُ فَهْمِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَفَاوُتَ الطَّرِيقَيْنِ يُغْنِي عَنْهُ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّكَلُّفِ انْتَهَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ تَبَعٌ قَيَّدَ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ لَا ضَمَانَ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْحَمَّالُ إذَا نَزَلَ فِي مَفَازَةٍ وَتَهَيَّأَ لَهُ الِانْتِقَالُ فَلَمْ يَنْتَقِلْ حَتَّى فَسَدَ الْمَتَاعُ بِمَطَرٍ أَوْ سَرِقَةٍ فَهُوَ ضَامِنٌ إذَا كَانَتْ السَّرِقَةُ، وَالْمَطَرُ غَالِبًا (أَوْ حَمَلَهُ) أَيْ حَمَلَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ (فِي الْبَحْرِ) إذَا قَيَّدَنَا بِالْبَرِّ (فَتَلِفَ) الْمَتَاعُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (ضَمِنَ) الْحَمَّالُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ أَمَّا إذَا تَفَاوَتَا أَوْ لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَظَاهِرٌ، وَإِذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فَلِخَطَرِ الْبَحْرِ، وَنُدْرَةِ السَّلَامَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مِمَّا يَسْلُكُ النَّاسُ أَوْ لَا وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَيَّدَ بِالْبَرِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَيِّدْ بِهِ لَا ضَمَانَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ بَلَّغَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: السَّمَاعُ بَلَّغَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ إنْ بَلَّغَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي اشْتَرَطَ وَيَجُوزُ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى الْمَتَاعِ أَيْ إذَا بَلَغَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (فَلَهُ الْأَجْرُ) أَيْ لِلْحَمَّالِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ مَعْنًى فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْأَجْرِ، وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالَتَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
(وَإِنْ عَيَّنَ زَرْعَ بُرٍّ فَزَرَعَ رَطْبَةً) أَيْ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا رَطْبَةً (ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ)؛ لِأَنَّ الرِّطَابَ أَكْثَرُ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ مِنْ الْبُرِّ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النُّقْصَانِ (وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَالَفَ صَارَ غَاصِبًا فَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِالْغَصْبِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَإِنْ زَرَعَ مَا هُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الْبُرِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ فَلَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا، وَفِي الْمِنَحِ مَا ذَكَرَ هَهُنَا مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَجْرِ وَوُجُوبِ مَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْضِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْمَشَايِخِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِلْوَقْفِ أَوْ لِلْيَتِيمِ أَوْ أَعَدَّهَا صَاحِبُهَا لِلِاسْتِغْلَالِ كَالْخَانِ وَنَحْوِهِ.
(وَإِنْ أُمِرَ بِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ قَمِيصًا فَخَاطَهُ قَبَاءً خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ تَضْمِينِ قِيمَتِهِ) أَيْ الثَّوْبِ (وَبَيْنَ أَخْذِ الْقَبَاءِ وَدَفْعِ أَجْرِ مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُشْبِهُ الْقَمِيصَ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْأَتْرَاكَ يَسْتَعْمِلُونَهُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ كَانَ مُوَافِقًا مِنْ وَجْهٍ مُخَالِفًا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْوِفَاقِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إلَى جَانِبِ الْخِلَافِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَحْصُلْ (لَا يُزَادُ عَلَى مَا سَمَّى) كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ، وَمَا إذَا شَقَّهُ وَجُعِلَ قَبَاءً خِلَافًا لِلْإِسْبِيجَابِيِّ فِي الثَّانِي حَيْثُ أَوْجَبَ فِيهِ الضَّمَانَ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْكُلِّ بَلْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ (وَكَذَا) خُيِّرَ الْمَالِكُ (لَوْ أَمَرَ بِقَبَاءٍ فَخَاطَ سَرَاوِيلَ فِي الْأَصَحِّ) لِلِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ وَصَارَ كَمَنْ أَمَرَ بِضَرْبِ طَسْتٍ مِنْ شَبَهٍ فَضَرَبَ مِنْهُ كُوزًا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فَكَذَا هَهُنَا (وَقِيلَ يَضْمَنُهُ هُنَا بِلَا خِيَارٍ) لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ.

.بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ:

وَجْهُ التَّأْخِيرِ عَنْ الصَّحِيحَةِ ظَاهِرٌ (يَجِبُ فِيهَا) أَيْ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (أَجْرُ الْمِثْلِ لَا تُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) الْمَعْلُومُ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ ضَرُورَةً لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ بِالتَّسْمِيَةِ الزِّيَادَةَ فِيهِ وَإِذَا نَقَصَ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا تَجِبُ زِيَادَةُ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْأَعْيَانِ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِأَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ فَأَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْمُسَمَّى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنْ كَانَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى أَوْ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ مَعْلُومًا وَبَعْضُهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ يَسْتَأْجِرَ الدَّارَ أَوْ الْحَمَّامَ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَعْمُرَهَا أَوْ يَرُمَّهَا وَقَالُوا: إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ سَكَنَهَا (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا صَحَّ الْعَقْدُ فِي شَهْرٍ) وَاحِدٍ (فَقَطْ) وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّ لِلْعُمُومِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُورَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَالْوَاحِدُ مُعَيَّنٌ فَيَصِحُّ فِيهِ، وَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِ صَاحِبِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِمَحْضَرِهِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَقِيلَ لَا: يُفْسَخُ إلَّا بِمَحْضَرِ صَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ الشُّهُورِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُعَيَّنَ كُلَّ الْأَشْهُرِ بِأَنْ يَقُولَ: آجَرْتُهَا عَشَرَةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تُعْلَمُ الْمُدَّةُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ (وَكُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّهْرِ (سَاعَةً صَحَّ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي سَكَنَ سَاعَةً لِحُصُولِ رِضَاهُمَا بِذَلِكَ (وَسَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ) أَيْ لَا يَكُونُ لِلْمُؤَجِّرِ إخْرَاجُهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ إلَّا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِهِ لِتَرَاضِيهِمَا فِي أَوَّلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَقَاؤُهُ) أَيْ بَقَاءُ حَقِّ الْفَسْخِ (فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَيَوْمِهَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ، وَيَوْمِهَا، وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَفِي اعْتِبَارِ أَوَّلِ الشَّهْرِ نَوْعُ حَرَجٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي سَاعَةِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَلَوْ فَسَخَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَمْ يَنْفَسِخْ، وَقِيلَ يَنْفَسِخُ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ، وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ: فَسَخْت فِي رَأْسِ الشَّهْرِ يَنْفَسِخُ إذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ لَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِيمَا عَجَّلَ.
(وَإِنْ آجَرَهَا) أَيْ الدَّارَ (سَنَةً بِكَذَا صَحَّ، وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (لَمْ يُبَيِّنْ قَسَّطَ كُلَّ شَهْرٍ)؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَالْأُجْرَةُ مَعْلُومَةٌ فَتَصِحُّ وَتُقَسَّمُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَشْهُرِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ الْأَسْعَارِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ (وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (مَا سَمَّى) إنْ وَقَعَتْ التَّسْمِيَةُ بِأَنْ يَقُولَ: مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَثَلًا (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهُ (فَوَقْتُ الْعَقْدِ) هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ، وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ كَالْأَجَلِ، وَالْيَمِينِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا شَهْرًا هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَإِنْ كَانَ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ (حِينَ يُهَلُّ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ بِمَعْنَى يُبْصَرُ الْهِلَالُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِينِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ دُونَ لَيْلِهِ كَمَا فِي الْيَمِينِ (تُعْتَبَرُ) السَّنَةُ كُلُّهَا (بِالْأَهِلَّةِ)؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ بَلْ كَانَ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ (فَبِالْأَيَّامِ) أَيْ فَتُعْتَبَرُ الْأَيَّامُ فِي الشُّهُورِ بِالْعَدَدِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ بِالْأَهِلَّةِ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ لَمَّا وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الثَّانِي لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهِ نَقَصَ الثَّانِي أَيْضًا فَوَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الثَّالِثِ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلُ) أَيْ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ (بِالْأَيَّامِ، وَالْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُورِ اعْتِبَارُهَا بِالْأَهِلَّةِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فِي الشُّهُورِ الْمُتَخَلِّلَةِ، وَتَعَذَّرَ بِالْأَوَّلِ فَيُكْمِلُ بِالْأَيَّامِ الشَّهْرَ الْآخَرَ (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ (فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ الْإِمَامِ فِي أُخْرَى، وَكَذَا الْعِدَّةُ)، فَإِنَّ الْإِيقَاعَ إذَا كَانَ حِينَ يُهَلُّ الْهِلَالُ تُعْتَبَرُ شُهُورُ الْعِدَّة بِالْأَهِلَّةِ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ يُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيُعْتَبَرُ شَهْرٌ وَاحِدٌ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيَجُوزُ أَخْذُ) الْحَمَّامِيِّ (أُجْرَةَ الْحَمَّامِ) لِلتَّوَارُثِ، وَالتَّعَارُفِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» فَلَا تُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْمَنْفَعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَرِهَ الْحَمَّامَ؛ لِأَنَّهُ شَرُّ بَيْتٍ بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ اتِّخَاذَهُ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو اجْتِمَاعُهُنَّ عَنْ فِتْنَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ لِلرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
(وَ) يَجُوزُ أَخْذُ (الْحَجَّامِ) أُجْرَتَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ فَكَانَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إنَّ مِنْ الْحَرَامِ السُّحْتِ كَسْبَ الْحَجَّامِ» مَنْسُوخًا بِمَا رُوِيَ (لَا) يَجُوزُ (أَخْذُ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ) هُوَ أَنْ يُؤَاجِرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ « إنَّ مِنْ السُّحْتِ عَسْبَ التَّيْسِ» بِمَعْنَى أَخْذِ أُجْرَةِ عَسْبِ التَّيْسِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَسْبِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَاءِ النَّسْلِ وَلِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِلْإِحْبَالِ، وَالْإِنْزَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ مَوْهُومٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ.
(وَلَا) يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (عَلَى الطَّاعَاتِ) وَفِي شَرْحِ الْوَافِي، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ (كَالْأَذَانِ، وَالْحَجِّ، وَالْإِمَامَةِ)، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّدْرِيسِ، وَالْغَزْوِ (وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ وَقِرَاءَتِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَقَعُ عَلَى الْعَامِلِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ» أَيْ عَلِّمُوا وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ، وَالنُّجُومِ، وَالطِّبِّ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ عَلَى الْإِمَامَةِ إذَا جَمَعَهَا مَعَ الْأَذَانِ (أَوْ الْمَعَاصِي) أَيْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمَعَاصِي (كَالْغِنَاءِ، وَالنَّوْحِ، وَالْمَلَاهِي)؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْعَقْدِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَبَضَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ يُبَاحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَنْ طَوْعٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ.
وَفِي شَرْحِ الْكَافِي لَا يَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالطَّبْلِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَلَا عَلَى قِرَاءَةِ الشِّعْرِ وَلَا أَجْرَ فِي ذَلِكَ.
وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ لَهُ الطَّبْلَ إنْ كَانَ لِلَّهْوِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لِلْغَزْوِ أَوْ الْقَافِلَةِ أَوْ الْعُرْسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِيهَا (وَيُفْتَى الْيَوْمَ بِالْجَوَازِ) أَيْ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ (عَلَى الْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْفِقْهِ)، وَالْأَذَانِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: بَنَى أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا مِنْ قِلَّةِ الْحُفَّاظِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِمْ، وَكَانَتْ لَهُمْ عَطِيَّاتٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَافْتِقَادٌ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مُجَازَاةِ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مُرُوءَةٍ يُعِينُونَهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَكَانُوا يُفْتُونَ بِوُجُوبِ التَّعْلِيمِ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَتَحْرِيضًا عَلَى التَّعْلِيمِ حَتَّى تَنْهَضُوا لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَكْثُرَ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَانْقَطَعَتْ الْعَطِيَّاتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِسَبَبِ اسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ وَاشْتَغَلَ الْحُفَّاظُ بِمَعَاشِهِمْ وَقَلَّمَا يُعَلِّمُونَ الْحِسْبَةَ وَلَا يَتَفَرَّغُونَ لَهُ أَيْضًا، فَإِنَّ حَاجَتَهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْقُرْآنُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِهِ لِذَلِكَ وَرَأَوْهُ حَسَنًا، وَقَالُوا: الْأَحْكَامُ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ أَلَا يُرَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ تَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَانِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَتَّى مَنَعَهُنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي النِّهَايَةِ يُفْتِي بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ تَتَبَّعْ، وَفِي الْمَجْمَعِ يُفْتِي بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ، وَالْفِقْهِ، وَالْإِمَامَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالرَّوْضَةِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
(وَيُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ) وَهُوَ الصَّبِيُّ أَوْ وَلِيُّهُ (عَلَى دَفْعِ مَا سَمَّى) مِنْ الْأَجْرِ (وَيُحْبَسُ بِهِ) أَيْ بِالْأَجْرِ الَّذِي سَمَّى.
(وَ) يُجْبَرُ (عَلَى) دَفْعِ (الْحَلْوَةِ الْمَرْسُومَةِ) الْحَلْوَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هَدِيَّةٌ تُهْدَى إلَى الْمُعَلِّمِينَ عَلَى رُءُوسِ بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إهْدَاءُ الْحَلَاوَى وَهِيَ لُغَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قَوْلٌ وَشَرْطٌ يُؤْمَرُ بِإِرْضَائِهِ الْمُعَلِّمَ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُعَلِّمَ وَلَدَهُ أَوْ عَبْدَهُ الْحِرْفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ تَجُوزُ.
وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَا تَجُوزُ، فَإِنْ بَيَّنَ لِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا سَنَةً أَوْ شَهْرًا جَازَتْ الْإِجَارَةُ وَيَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى تَعَلَّمَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِذَلِكَ وَقْتًا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ إنْ تَعَلَّمَ الْوَلَدُ، وَالْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ فَلَا أَجْرَ لَهُ.
وَفِي الْجَوَاهِرِ اُسْتُؤْجِرُوا لِحَمْلِ جِنَازَةِ مُسْلِمٍ أَوْ لِغُسْلِ مَيِّتٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ مَنْ يُغَسِّلُهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَلَا أَجْرَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ إنَاسٌ غَيْرُهُمْ فَلَهُمْ الْأَجْرُ، وَفِي النُّتَفِ إجَارَةُ السُّفُنِ جَائِزَةٌ وَهِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالْآخَرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَكِلَاهُمَا جَائِزَانِ إنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَهِيَ فِي الْبَحْرِ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْبَحْرِ وَيُعْطِبَهُ أَجْرَ مِثْلِهَا، وَكَذَا إجَارَةُ الْخِيَامِ، وَالْفُسْطَاطِ جَائِزَةٌ وَلَهُ أَنْ يَنْصِبَ ذَلِكَ كَمَا يَنْصِبُ النَّاسُ، فَإِنْ احْتَرَقَ فِي الشَّمْسِ أَوْ فَسَدَ فِي السَّفَرِ مِنْ الْمَطَرِ أَوْ الثَّلْجِ أَوْ تَخَرَّقَ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ أَوْ خِلَافٍ فَلَا ضَمَانَ، وَكَذَا إجَارَةُ الْأَسْلِحَةِ جَائِزَةٌ وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا إنْ هَلَكَتْ، وَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهَا فَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ.
(وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَشَاعِ) سَوَاءٌ كَانَ الشُّيُوعُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعُرُوضِ أَوْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْعَبْدِ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الدَّارِ مَثَلًا إنَّمَا هِيَ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْمَشَاعِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ بِخِلَافِ بَيْعِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الشُّيُوعِ الشُّيُوعُ الْأَصْلِيُّ؛ لِأَنَّ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَنْهُ يُفْسِدُهَا (إلَّا مِنْ الشَّرِيكِ)، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَشَاعًا بِالْإِجْمَاعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُجْتَمِعٌ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا يَلْزَمُ الشُّيُوعُ.
وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ أَيْضًا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ أَصْلًا، وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ فَاسِدًا حَتَّى يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ) إجَارَةُ الْمَشَاعِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ آجَرَ نَصِيبَهُ شَرِيكَهُ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَمْلِيكٍ فَيَجُوزُ كَالْبَيْعِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْكُلَّ ثُمَّ يَفْسَخَ فِي النِّصْفِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُهَا كَمَا مَرَّ وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ.
وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَالشُّرُوحِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَإِنْ آجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلَيْنِ صَحَّ اتِّفَاقًا)؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَقَعُ جُمْلَةً ثُمَّ الشُّيُوعُ لِتَفَرُّقِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا طَارِئٌ.
(وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ) وَهِيَ مُرْضِعَةٌ (بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ)، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ كَإِجَارَةِ الْبَقَرِ أَوْ الشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا وَإِجَارَةِ الْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَقَدْ جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ فِي الْإِعْصَارِ بِلَا نَكِيرٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ هِيَ تَرْبِيَةُ الصَّبِيِّ، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، وَالْإِيضَاحِ وَأَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَقِيلَ: عَقْدٌ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، وَالْخِدْمَةُ تَابِعَةٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ.
وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ (وَكَذَا) يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا (بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا) اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الظِّئْرِ شَفَقَةً عَلَى الْوَلَدِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: لَا يَجُوزُ قِيَاسًا لِلْجَهَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنْ سَمَّى الطَّعَامَ دَرَاهِمَ وَوَصَفَ جِنْسَ الْكِسْوَةِ وَأَجَلَهَا وَبَيَّنَ ذِرَاعَهَا جَازَ إجْمَاعًا وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الطَّعَامِ دَرَاهِمَ أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُدْفَعُ الطَّعَامُ عِوَضًا عَنْهَا، وَلَوْ بَيَّنَ جِنْسَ الطَّعَامِ وَوَصْفَهُ وَقَدْرَهُ جَازَ أَيْضًا، وَفِي الطَّعَامِ لَا يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ (وَعَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الظِّئْرِ (غَسْلُ الصَّبِيِّ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ) عَنْ الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ لَا عَنْ الْوَسَخِ (وَإِصْلَاحُ طَعَامِهِ) بِالْمَضْغِ أَوْ الطَّبْخِ (وَدَهْنُهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ جَعْلُ الصَّبِيِّ مُطْلًى بِالدُّهْنِ بِالضَّمِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَلَيْهَا عُرْفًا، وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَ (لَا) يَجِبُ عَلَى الظِّئْرِ (ثَمَنُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (بَلْ هُوَ) أَيْ ثَمَنُ طَعَامِهِ وَدُهْنِهِ وَمَا غَسَلَ بِهِ ثِيَابَهُ مِنْ الصَّابُونِ وَنَحْوِهِ (وَأَجْرُهَا) أَيْ أَجْرُ الظِّئْرِ (عَلَى مَنْ نَفَقَتُهُ) أَيْ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ (عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ، وَالِدَهُ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَوْ مَاتَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَعَلَى الْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّهَا تَبْطُلُ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ، وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَبِنَاءٌ عَلَى مَا هُوَ عُرْفُ الْكُوفَةِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ) أَيْ أَرْضَعَتْ الظِّئْرُ الصَّبِيَّ بِمَعْنَى أَوْجَرَتْهُ فَقَوْلُهُمْ: فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ (فِي الْمُدَّةِ) أَيْ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ (بِلَبَنِ شَاةٍ) فِي فَمِهِ (أَوْ غَذَّتْهُ) مِنْ التَّغْذِيَةِ (بِطَعَامٍ) وَمَضَتْ الْمُدَّةُ (فَلَا أَجْرَ لَهَا)؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِرْضَاعُ، وَهَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ وَهُوَ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْجَرَ الصَّبِيُّ بِلَبَنِ الظِّئْرِ فِي الْمُدَّةِ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْإِرْضَاعُ، وَالْعَمَلُ دُونَ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلَبَنِ الْبَهَائِمِ قِيمَةً فَوَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلَبَنِ الْمَرْأَةِ قِيمَةٌ فَلَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ عَلَى فِعْلِ الْإِرْضَاعِ، وَالتَّرْبِيَةِ، وَالْحَضَانَةِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَإِنْ جَحَدَتْهُ الظِّئْرُ فَالِاعْتِبَارُ لِيَمِينِهَا وَلِبَيِّنَتِهِمْ، وَإِنْ أَقَامَ كُلَّ بَيِّنَةٍ فَبَيِّنَتُهَا وَهَذَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ وَمَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ نَفْسِهَا فَلَوْ اكْتَفَى بِالنَّفْيِ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ النَّفْيَ فِيهَا دَخَلَ فِي ضِمْنِ الْإِثْبَاتِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْغُرَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ (وَلِزَوْجِهَا) أَيْ لِزَوْجِ الظِّئْرِ (وَطْؤُهَا) إذَا أَرَادَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ إبْطَالِهِ (لَا) وَطْؤُهَا (فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) إذَا مَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ الْوَطْءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَيَمْنَعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ بَلْ أَذِنَ فِيهِ جَازَ (وَلَهُ) أَيْ لِزَوْجِ الظِّئْرِ (فَسْخُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ) الْإِجَارَةُ (بِرِضَاهُ) سَوَاءٌ كَانَ تَشِينُهُ إجَارَتُهَا بِأَنْ كَانَ وَجِيهًا بَيْنَ النَّاسِ أَوْ لَمْ تَشِنْهُ فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ (إنْ) كَانَ (نِكَاحُهُ) أَيْ نِكَاحُ الزَّوْجِ (ظَاهِرًا) بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ شُهُودٌ صِيَانَةً لِحَقِّهِ (لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ (إنْ أَقَرَّتْ) الْمَرْأَةُ (بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ (وَلِأَهْلِ الطِّفْلِ فَسْخُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (إنْ مَرِضَتْ) الظِّئْرُ (أَوْ حَبِلَتْ)؛ لِأَنَّ الْحُبْلَى، وَالْمَرِيضَةَ تَضُرُّ بِالصَّغِيرِ، وَكَذَا تَفْسَخُ الْمُرْضِعَةُ إذَا مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ إنْ خِيفَ عَلَيْهَا، وَكَذَا تَفْسَخُ إذَا تَقَيَّأَ لَبَنَهَا أَوْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ فَاجِرَةً ثَابِتًا فُجُورُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ صَحَّ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ الْكَافِرَةِ، وَالْفَاجِرَةِ لَكِنْ نُهِيَ عَنْ إرْضَاعِ الْحَمْقَاءِ نَوْعَ مُخَالَفَةٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفَاجِرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ فُجُورُهَا أَوْ يُرَادَ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ فَقَطْ، وَكَذَا تُفْسَخُ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَهَا، وَلَهَا أَيْضًا فَسْخُهَا إذَا كَانَتْ تَتَأَذَّى مِنْهُمْ، وَكَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا وَلَا تَفْسَخُ بِمَوْتِ أَبِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَاقِعَةٌ لِلصَّبِيِّ لَا لِلْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ مَوْتِ الصَّبِيِّ أَوْ الظِّئْرِ، فَإِنَّهَا انْتَقَضَتْ، وَلَوْ سَافَرَتْ هِيَ وَأَهْلُ الصَّبِيِّ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ.
(وَفَسَدَ اسْتِئْجَارُ حَائِكٍ لِيَنْسِجَ لَهُ غَزْلًا بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْغَزْلِ أَوْ ثُلُثِهِ (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (حِمَارٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ طَعَامًا) إلَى بَيْتِهِ (بِقَفِيزٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّعَامِ بِأَنْ جَعَلَ الْقَفِيزَ أُجْرَتَهُ (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (ثَوْرٍ لِيَطْحَنَ لَهُ بُرًّا بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ) أَيْ دَقِيقِ ذَلِكَ الْبُرِّ أَمَّا فَسَادُ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَصَارَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَفَسَدَ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ قَالَ قَاضِي خَانْ يَجُوزُ النَّسْجُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ وَالْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ (وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْكُلِّ لَا يُجَاوِزُ الْمُسَمَّى)؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمَّا فَسَدَتْ وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ لِرِضَاهُ بِخَطِّ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهِ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِّ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ حَامِلًا طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَبِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمِنَحِ إشْكَالٌ وَجَوَابٌ إنْ شِئْت فَارْجِعْ.
وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الِاحْتِطَابِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِأُجْرَةِ نِصْفِ ثَمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمُسَمَّى حَيْثُ اشْتَرَكَ هَذَا إذَا احْتَطَبَ أَحَدُهُمَا وَجَمَعَ الْآخَرُ، وَأَمَّا إذَا احْتَطَبَا جَمِيعًا فَهُمَا شَرِيكَانِ عَلَى السَّوَاءِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَصِيدَ لَهُ أَوْ يَحْتَطِبَ، فَإِنْ وَقَّتَ جَازَ وَإِلَّا لَا إلَّا إذَا عَيَّنَ الْحَطَبَ وَهُوَ مِلْكُهُ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ الْيَوْمَ قَفِيزًا بِدِرْهَمٍ فَسَدَ) الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ذَكَرَهُ فِيهِ أَمْرَيْنِ يَحْتَمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَالْوَقْتُ فَالْعَمَلُ يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي الْأَجْرَ إلَى الْمُؤَجِّرِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَالْوَقْتُ يَنْفَعُ الْأَجِيرَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَا رُجْحَانَ فِي أَحَدِهِمَا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كِلَيْهِمَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْمَلَ مُسْتَغْرِقًا لِهَذَا الْيَوْمِ فَذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَادَةً (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: هَذِهِ جَائِزَةٌ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يَفْرَغْهُ فِي الْيَوْمِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ.
(وَلَوْ قَالَ: فِي الْيَوْمِ) أَيْ بِكَلِمَةِ فِي (صَحَّ اتِّفَاقًا)؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلَ وَهُوَ الْمَعْلُومُ بِخِلَافِ مَا إذَا حُذِفَتْ فِي، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ عَلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْهُ الْيَوْمَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا) مِنْ كَرَبَ الْأَرْضَ إذَا أَصْلَحَهَا بِالْمِحْرَاثِ مِنْ بَابِ نَصَرَ (وَيَزْرَعَهَا أَوْ) اسْتَأْجَرَهَا عَلَى أَنْ (يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ) الِاسْتِئْجَارُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِالْكِرَابِ، وَالسَّقْيِ.
(وَ) إنْ اسْتَأْجَرَهَا (عَلَى أَنْ يُثَنِّيَهَا) إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ أَنْ يَرُدَّ الْأَرْضَ مَكْرُوبَةً تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ نَفْعِ الْكِرَابِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَسَبَبُ الْفَسَادِ بَقَاءُ النَّفْعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَتُوجَدُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ كَرَبَ الْأَرْضَ مَرَّتَيْنِ وَكَانَتْ الْأَرْضُ تُخْرِجُ الزَّرْعَ بِكَرْبِهَا مَرَّةً، وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ بِكَرْبِهَا مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ بَقَاءِ أَثَرِ التَّثْنِيَةِ، وَكَذَا لَا تَفْسُدُ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لِعَدَمِ مَنْفَعَةِ التَّثْنِيَةِ (أَوْ) اسْتَأْجَرَهَا عَلَى أَنْ (يُكْرِيَ نَهْرَهَا) أَيْ يَحْفِرَ أَنْهَارَهَا الْعِظَامَ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ بِخِلَافِ الْجَدَاوِلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (أَوْ) عَلَى أَنْ (يُسَرْقِنَهَا) أَيْ يَجْعَلَ السِّرْقِينَ عَلَيْهَا وَهُوَ الزِّبْلُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ لَهُ السِّرْجِينُ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ الْأَثَرِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ إلَّا إذَا كَانَ الرِّيعُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِالسَّرْقَنَةِ أَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً (لَا يَصِحُّ) الِاسْتِئْجَارُ فِي الْكُلِّ لِمَا قَرَرْنَاهُ آنِفًا (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (الِاسْتِئْجَارُ لِلزِّرَاعَةِ) أَيْ لِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ (بِزِرَاعَةِ) أَرْضٍ أُخْرَى بِأَنْ جُعِلَتْ زِرَاعَةُ الْأَرْضِ الْأُخْرَى أُجْرَةً بِهَا (وَلِلرُّكُوبِ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا (بِرُكُوبِ) دَابَّةٍ أُخْرَى لِيَرْكَبَهَا الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهَا (وَلِلسُّكْنَى) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ لِيَسْكُنَهَا (بِسُكْنَى) دَارٍ أُخْرَى لِيَسْكُنَهَا الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهَا (وَلِلُّبْسِ) أَيْ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ثَوْبٍ لِيَلْبَسَهُ (بِلُبْسِ) ثَوْبٍ آخَرَ لِيَلْبَسَهُ الْآخَرُ بِمُقَابَلَتِهِ وَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَذَا لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
وَفِي الدُّرَرِ كَلَامٌ إنْ شِئْت فَلْيُطَالَعْ ثُمَّ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَرِيكَهُ أَوْ حِمَارَهُ) أَيْ حِمَارَ شَرِيكِهِ (لِحَمْلِ طَعَامٍ هُوَ) أَيْ الطَّعَامُ (لَهُمَا لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ) الَّذِي سَمَّاهُ وَلَا أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْآخَرَ.
وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَجُوزُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ، وَيَجِبُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى الْمَشْرُوطَ عَنْهُ (كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ اسْتِئْجَارُ الرَّاهِنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمَالِكٍ حَتَّى يُؤَجِّرَهُ مِنْهُ.
وَفِي الْمِنَحِ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا فَدَخَلَ الْآجِرُ مَعَ بَعْضِ أَصْدِقَائِهِ الْحَمَّامَ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرِدُّ بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْحَمَّامِ فِي الْمُدَّةِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) رَجُلٌ (أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُهَا لَا يَصِحُّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لِلزِّرَاعَةِ، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلَفٌ فَبَعْضُهُ أَقَلُّ ضَرَرًا بِهَا مِنْ بَعْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِلَّا لَا يُعْلَمُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَيُفْضِيَ إلَى الْفَسَادِ هَذَا (إنْ لَمْ يُعَمِّمْ) الْمُؤَجِّرُ أَمَّا إنْ عَمَّمَ بِأَنْ يَقُولُ: عَلَى أَنْ تَزْرَعَ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْهُ (فَإِنْ زَرَعَهَا) بِلَا ذِكْرِ الزِّرَاعَةِ أَوْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا (وَمَضَى الْأَجَلُ عَادَ) الْعَقْدُ (صَحِيحًا وَلَهُ) أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ (الْمُسَمَّى) مِنْ الْأُجْرَةِ اسْتِحْسَانًا لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ وَانْقِطَاعِ الْمُنَازَعَةِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مَجِيئِهِ.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعُودُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا فَيَلْزَمُ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَمَا فِي الْمِنَحِ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَعُودُ صَحِيحًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ مُخَالِفٌ لِأَكْثَرِ الْكُتُبِ تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى مَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ الْمُعْتَادَ) أَيْ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ عَلَى مِثْلِهِ (فَنَفَقَ) أَيْ هَلَكَ فِي الطَّرِيقِ (لَا يَضْمَنُ) الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّ فَإِذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ بَلَغَ) الْحِمَارُ مَعَ الْحَمْلِ (مَكَّةَ) شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُؤَجِّرِ (الْمُسَمَّى) مِنْ الْأُجْرَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِلْجَهَالَةِ، فَإِذَا حَمَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِهِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ تَكَارَى دَابَّةً إلَى فَارِسَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ فَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَخَوَارِزْمَ، وَالشَّامَ وَفَرْغَانَةَ وَسُغْدَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَهِنْدَ وَالْخُطَا، وَالدَّشْتَ، وَالرُّومَ، وَالْيَمَنَ اسْمٌ لِلْوِلَايَةِ وَبُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ وَبَلْخِي وَجُرْجَانِيَّةَ وَهَرَاةَ وَأُوزَجَنْدَ اسْمُ الْبَلْدَةِ وَجَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بُخَارَى اسْمَ الْوِلَايَةِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ هُوَ اسْمُ الْوِلَايَةِ إذَا بَلَغَ الْأَدْنَى لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُسَمَّى، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ هُوَ اسْمُ الْبَلَدِ إذَا وَصَلَ الْبَلَدَ يَلْزَمُ الْبَلَاغُ إلَى مَنْزِلِهِ.
(وَإِنْ اخْتَصَمَا) أَيْ الْمُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ (قَبْلَ الزَّرْعِ) فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرِ الزَّرْعِ (وَ) قَبْلَ (الْحَمْلِ) فِي مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الْحِمَارِ (نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ لِلْفَسَادِ) لِبَقَائِهِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ بِالتَّعْيِينِ بِالزَّرْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَبِالْحَمْلِ فِي هَذَا فَلَوْ اخْتَصَمَا بَعْدَ الزَّرْعِ أَوْ الْحَمْلِ لَا يَقْضِي بِنَقْضِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ فَلَا يَنْدَفِعُ الْفَسَادُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إلَّا بِمُضِيِّ الْأَجَلِ أَوْ بِالْبُلُوغِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً ثُمَّ جَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَجِبُ لِمَا بَعْدَهُ هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ إجَارَةُ الْمَنْفَعَةِ بِالْمَنْفَعَةِ تَجُوزُ إذَا اخْتَلَفَا وَإِذَا اتَّحَدَا لَا.

.فَصَلِّ: أَحْكَام الْأَجِير وأنواعه:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ وَهِيَ الضَّمَانُ، وَالْأَجِيرُ نَوْعَانِ مُشْتَرَكٌ وَخَاصٌّ، وَالسُّؤَالُ عَنْ وَجْهِ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْخَاصِّ دَوْرِيٌّ (الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ بَلْ إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ أَيْضًا فَقَطْ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الْغُرَرِ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لَا لِوَاحِدٍ أَوْ يَعْمَلُ لَهُ غَيْرَ مُؤَقِّتٍ أَوْ مُؤَقِّتًا بِلَا تَخْصِيصٍ.
وَفِي الْقُدُورِيِّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ.
وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ، وَالْخَاصَّ، وَأَجَابَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ أَنَّ بَعْضَ الْأُجَرَاءِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِالْعَمَلِ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَرِّفِ وَقِيلَ: قَوْلُهُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يَعْمَلَ مُفْرَدٌ، وَالتَّعْرِيفُ بِالْمُفْرَدِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: كَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارِ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا بِالْمِثَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ عَلَى التَّعْرِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَفِي كَوْنِهِ مُفْرَدًا لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ التَّعْرِيفَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَوْجُهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ مَحَلِّهِ لِيَسْلَمَ عَنْ النَّقْضِ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (وَلَا يَسْتَحِقُّ) الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ (الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارِ) وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُعَوِّضَيْنِ فَمَا لَمْ يَسْلَمْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ الْعَمَلُ لَا يَسْلَمُ لِلْأَجِيرِ الْعِوَضُ وَهُوَ الْأَجْرُ (وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْأَجِيرِ (أَمَانَةٌ لَا يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ) الْمَتَاعُ مِنْ غَيْرِ فَعَلَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ قِيَاسًا سَوَاءٌ هَلَكَ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ، وَالْغَصْبِ أَوْ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ، وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ الْحِفْظُ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَلِذَا لَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْإِجَارَةِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ أَوْ الْوَصْفِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ مَقْصُودٌ حَتَّى يُقَابِلَهُ الْأَجْرُ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَ) عَلَيْهِ (ضَمَانَهُ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ (بِهِ) أَيْ بِعَدَمِ الضَّمَانِ (يُفْتَى) وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَقَدْ جَعَلَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَبِهِ جَزَمَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ (وَعِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ (يَضْمَنُ إنْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْهَلَاكِ (كَالْغَصْبِ، وَالسَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ) التَّحَرُّزُ عَنْهُ (كَالْمَوْتِ) حَتْفَ أَنْفِهِ (وَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ، وَالْعَدُوِّ الْمُكَابِرِ) لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ، وَالْأَئِمَّةِ، وَعَلَى هَذَا حُكْمُ الْوُلَاةِ، وَالْقُضَاةِ عَمَلًا بِالْقَوْلَيْنِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً، وَإِنْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا (وَيَضْمَنُ مَا) أَيْ الَّذِي (تَلِفَ بِعَمَلِهِ) أَيْ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ (اتِّفَاقًا كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ) أَيْ دَقِّ الْقَصَّارِ (وَزَلَقِ الْحَمَّالِ) إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُزَاحَمَةِ النَّاسِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ، فَإِنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ مِنْ زَلَقِهِ حَصَلَ مِنْ تَرْكِهِ التَّثْبِيتَ فِي الْمَشْيِ (وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْمُكَارِي) الْحِمْلَ، فَإِنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ بِهِ حَصَلَ مِنْ تَرْكِهِ التَّوْثِيقَ فِي شَدِّ الْحَبْلِ (وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا)، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّفِينَةَ لَوْ غَرِقَتْ مِنْ مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْعَمَلِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ يَنْتَظِمُ السَّلِيمَ وَالْمَعِيبَ، وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمُصْلِحُ دُونَ الْمُفْسِدِ فَكَانَ هُوَ الْمَأْذُونَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ عَمَلًا جَاوَزَ فِيهِ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْحَجَّامِ أَوْ عَمَلًا لَا يُعْتَادُ فِيهِ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ لَكِنَّ مَا فِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ بِأَنْ تَخَرَّقَ بِدَقِّهِ أَوْ عَصْرِهِ يَضْمَنُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الْبَزَّاغِ، وَالْحَجَّامِ، فَإِنَّ الْبَزَّاغَ وَنَحْوَهُ لَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمُعْتَادَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ جَاوَزَ الْمُعْتَادَ أَوْ لَا تَدَبَّرْ (لَكِنْ لَا يَضْمَنُ بِهِ) أَيْ بِغَرَقِ السَّفِينَةِ (الْآدَمِيَّ) مِنْ مَدِّهَا (مِمَّنْ غَرِقَ فِي السَّفِينَةِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الدَّابَّةِ)، وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْجِنَايَةِ، وَمَا يَجِبُ بِهَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ لَا يَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْقَوْدِ، وَهَذَا لَيْسَ بِجِنَايَةٍ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ قِيلَ: هَذَا الْكَلَامُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ (وَلَا يَضْمَنُ فَصَّادٌ وَلَا بَزَّاغٌ لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمُعْتَادَ)، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْوُسْعِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِحُصُولِ الْمَوْتِ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ هَذَا كُلَّهُ إذَا لَمْ يَهْلَكْ، وَإِنْ هَلَكَ يَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ حَتَّى أَنَّ الْخَتَّانَ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَبَرِئَ الْمَقْطُوعُ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ هُوَ الْحَشَفَةُ وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ مَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَهُوَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ، وَالْأَقَلُّ بِالْهَلَاكِ وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ.
سُئِلَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ فَصَّادٍ جَاءَ إلَيْهِ غُلَامٌ وَقَالَ: افْصِدْ لِي فَفَصَدَهُ فَصْدًا مُعْتَادًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ السَّبَبِ قَالَ: يَضْمَنُ الْفَصَّادُ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَيَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَصَّادِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْفَصَّادِ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ فَصَدَ نَائِمًا وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فِي سَيَلَانِ الدَّمِ قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
(وَلَوْ انْكَسَرَ دَنٌّ مِنْ طَرِيقِ الْفُرَاتِ) ذَكَرَ الْفُرَاتَ لِلشُّهْرَةِ بِالْوَفْرَةِ، وَالزِّيَادَةُ بِلَا فَائِدَةٍ (فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ) أَيْ الْحَمَّالَ (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الدَّنِّ الَّتِي تَقُومُ (فِي مَكَانِ حَمْلِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ) ضَمِنَ قِيمَتَهُ (فِي مَكَانِ كَسْرِهِ وَلَهُ) أَيْ الْحَمَّالِ (الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّ السُّقُوطَ بِالْعِثَارِ أَوْ بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِهِ، وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ، وَالْحَمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ شَاءَ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى.
وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى أَصْلًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَ) ثَانِي النَّوْعَيْنِ (الْأَجِيرُ الْخَاصُّ) وَهُوَ (مَنْ يَعْمَلُ لِوَاحِدٍ) قَيَّدَ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِقَوْلِهِ: عَمَلًا مُؤَقَّتًا بِالتَّخْصِيصِ، وَقَالَ: فَوَائِدُ الْقُيُودِ عُرِفَتْ مِمَّا سَبَقَ (وَيُسَمَّى أَجِيرَ وَحْدٍ) أَيْضًا (وَيَسْتَحِقُّ) الْأَجِيرُ الْخَاصُّ (الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ) أَيْ الْأَجْرَ (مُدَّتَهُ) أَيْ الْعَقْدِ سَوَاءٌ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مَعَ التَّمَكُّنِ بِالْإِجْمَاعِ (كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ) الْغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ (سَنَةً أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ) لِهَذَا الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنَافِعِهِ وَذَكَرَ الْعَمَلَ لِصَرْفِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ حَيْثُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ.
وَفِي شَرْحِ الْوَافِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ بِدِرْهَمٍ شَهْرًا فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ لَا أَنْ يَقُولَ: وَلَا تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ أَجِيرَ وَحْدٍ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِرَعْيِ غَنَمِهِ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَهُوَ أَجِيرُ وَحْدٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَتَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي.
وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا لِيَعْمَلَ فِي الصَّحْرَاءِ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ بَعْدَمَا خَرَجَ الْأَجِيرُ إلَى الصَّحْرَاءِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ لَمْ يُوجَدْ لِمَكَانِ الْعُذْرِ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْمَرْغِينَانِيُّ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ، وَفِي الْمِنَحِ.
وَإِنْ هَلَكَ فِي الْمُدَّةِ نِصْفُ الْغَنَمِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَقَدْ وُجِدَ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يَنْزُوَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْزَاءَ حَمْلٌ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَعَطِبَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ الْفَحْلُ نَزَا عَلَيْهَا فَعَطِبَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ ثُمَّ الرَّاعِي إذَا كَانَ أَجِيرَ وَحْدٍ فَمَاتَتْ مِنْ الْأَغْنَامِ وَاحِدَةٌ حَتَّى لَا يَضْمَنَ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهَا؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ لَوْ مَاتَتْ كُلُّهَا لَا يَنْقُصُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ انْتَهَى، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجَوْهَرَةِ مَا دَامَ يَرْعَى مِنْهَا شَيْئًا كَمَا لَا يَخْفَى (وَلَا يَضْمَنُ) الْأَجِيرُ الْخَاصُّ (مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ يُسْرَقَ مِنْهُ أَوْ غَابَ أَوْ غُصِبَ (أَوْ بِعَمَلِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ الْكَثِيرَةَ مِنْ النَّاسِ فَلَا يُوجَدُ الْعَجْزُ وَالتَّقْصِيرُ فِي الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الْمَأْذُونِ كَانْكِسَارِ الْقَدُومِ أَوْ تَخَرُّقِ الثَّوْبِ عِنْدَ الْعَمَلِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ الْكَثِيرَةَ مِنْ الْخَلْقِ طَمَعًا فِي الْأَجْرِ فَيَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا لِصِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ كَمَا مَرَّ.
وَفِي الْمِنَحِ الرَّاعِي إذَا خَلَطَ الْغَنَمَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّمْيِيزِ لَا يَضْمَنُ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي تَعْيِينِ الدَّوَابِّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ، وَإِنْ كَانَ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ يَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهَا.
وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ قَوْلُ الرَّاعِي، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأَغْنَامِ يَوْمَ الْخَلْطِ، فَإِنْ دَفَعَ غَنَمَ رَجُلٍ إلَى غَيْرِ صَاحِبِهَا فَاسْتَهْلَكَهَا الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ، وَأَقَرَّ الرَّاعِي بِذَلِكَ ضَمِنَ الرَّاعِي، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاعِي عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إنْ كَانَ الرَّاعِي أَقَرَّ وَقْتَ الدَّفْعِ أَنَّهَا لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ.
وَلَوْ نَدَّتْ بَقَرَةٌ مِنْ الْبَاقُورَةِ فَخَافَ الْبَقَّارُ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَهَا يَضِيعُ الْبَاقِي كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لَا يَتْبَعَهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ إنْ كَانَ الرَّاعِي خَاصًّا، وَإِنْ مُشْتَرَكًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَضَّلَ عَنْ الطَّرِيقِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يَضْمَنُ.
وَفِي الْجَوَاهِرِ: بَقَّارٌ تَرَكَ الْبُقُورَ مَعَ صَبِيٍّ لِحِفْظِهِنَّ فَهَلَكَتْ بَقَرَةٌ وَقْتَ السَّقْيِ بِآفَةٍ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ قُدْرَةُ الْحِفْظِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَّا يَضْمَنُ، وَلَوْ جَاءَ الْبَقَّارُ لَيْلًا وَزَعَمَ أَنَّهُ رَدَّ الْبَقَرَةَ وَأَدْخَلَهَا الْقَرْيَةَ فَطَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يَجِدْهَا ثُمَّ وَجَدَهَا بَعْدَ أَيَّامٍ فِي قُرَى الْجَبَّانَةِ قَدْ عَطِبَتْ قَالُوا: إنْ كَانَ الْعُرْفُ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ الْبَقَّارَ يُدْخِلُ الْبُقُورَ فِي الْقَرْيَةِ وَلَمْ يَطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يُدْخِلَ كُلَّ بَقَرَةٍ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَقَّارِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَدْخَلَ الْبَقَرَةَ فِي الْقَرْيَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
(وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجِيرِ) أَيْ جَعْلُهُ مُتَرَدِّدًا (بَيْنَ نَفْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَأَيُّهُمَا وُجِدَ لَزِمَ مَا سَمَّى لَهُ نَحْوُ) لَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ: (إنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ) فَأَيَّ عَمَلٍ مِنْ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى هَذَا عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْأَجْرُ قَدْ يَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَعِنْدَ الْعَمَلِ يَرْتَفِعُ الْجَهْلُ.
وَعِنْدَ زُفَرَ، وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِلْحَالِّ (وَ) كَذَا لَوْ قَالَ لِلصَّبَّاغِ: (إنْ صَبَغْتَهُ بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ وَبِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ) هَذَا عِنْدَ الْكُلِّ لِمَا مَرَّ.
(وَ) كَذَا لَوْ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ: (إنْ سَكَنْتَ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَبِدِرْهَمٍ فِي الشَّهْرِ أَوْ) إنْ سَكَنْتَ (فِي هَذِهِ) الدَّارِ (فَبِدِرْهَمَيْنِ وَ) كَذَا لَوْ قَالَ: (إنْ رَكِبْتَهَا إلَى الْكُوفَةِ فَبِدِرْهَمٍ أَوْ) إنْ رَكِبْتَهَا (إلَى وَاسِطَ فَبِدِرْهَمَيْنِ) قِيلَ: فِيهِ احْتِمَالُ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ذُكِرَتْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ الْكُلِّ أَوْ قَوْلَ الْإِمَامِ خَاصَّةً.
(وَكَذَا يَصِحُّ لَوْ رُدِّدَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ) أَشْيَاءَ بِأَنْ قَالَ: إنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا أَوْ رُومِيًّا أَوْ تُرْكِيًّا (لَا) يَصِحُّ (بَيْنَ أَرْبَعَةِ) أَشْيَاءَ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ خِيَارُ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَإِذَا وُجِدَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْمَبِيعُ مَجْهُولٌ.
(وَلَوْ قَالَ) لِلْخَيَّاطِ: (إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ أَوْ) إنْ خِطْتَهُ (غَدًا فَنِصْفِهِ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ الدِّرْهَمُ، وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ) لَكِنْ (لَا يُجَاوِزُ) أَيْ الْمِثْلُ (نِصْفَ دِرْهَمٍ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ الْقُدُورِيُّ: هِيَ الصَّحِيحَةُ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ دُونَ التَّوْقِيتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ هُنَا نَقْصُ الْأَجْرِ لَوْ أَخَّرَ الْفِعْلَ إلَى الْغَدِ فَتَبْقَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي تَسْمِيَتَانِ إحْدَاهُمَا دِرْهَمٌ، وَالْأُخْرَى نِصْفٌ، وَالتَّسْمِيَتَانِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مُفْسِدَةٌ فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ قَالَ: خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ إذْ لَوْ كَانَ لِلتَّأْقِيتِ يَفْسُدُ الْعَقْدَانِ لِاجْتِمَاعِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ فَيَصِيرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَأَجِيرًا خَاصًّا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا يَكُونُ ذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ بَلْ يَكُونُ لِلتَّعْلِيقِ فَيَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي عَلَى مَا مَرَّ، وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَلَوْ خَاطَهُ بَعْدَ غَدٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ.
(وَقَالَا: الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ) حَتَّى إذَا خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ دِرْهَمٌ وَإِذَا خَاطَهُ غَدًا فَلَهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّعْلِيقِ فَوُجِدَتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَقْتَيْنِ التَّسْمِيَةُ مَقْصُودَةً فَصَارَا عَقْدَيْنِ كَاخْتِلَافِ النَّوْعَيْنِ كَالرُّومِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ.
وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ وَالتَّوْسِيعِ فَيَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ.
(وَلَوْ قَالَ: إنْ سَكَّنْتَ) بِالتَّشْدِيدِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَنْت بِالتَّخْفِيفِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ عَطَّارًا أَوْ حَدَّادًا حَالًا وَيَكُونُ الْمَعْنَى إنْ سَكَنْتَ هَذَا الْحَانُوتَ حَالَ كَوْنِك عَطَّارًا أَوْ حَالَ كَوْنِك حَدَّادًا (هَذَا الْحَانُوتَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ) سَكَنْتَ (حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْن عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْعَمَلِ تَرْتَفِعُ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ، وَالْأَجْرَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (، وَكَذَا الْخِلَافُ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ.
(لَوْ قَالَ: إنْ ذَهَبْتَ بِهَذِهِ الدَّابَّةِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (إلَى الْحِيرَةِ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ جَاوَزْتَهَا) أَيْ الْحِيرَةَ مُنْتَهِيًا (إلَى الْقَادِسِيَّةِ فَبِدِرْهَمَيْنِ أَوْ قَالَ: إنْ حَمَلْتِ عَلَيْهَا إلَى الْحِيرَةِ كُرَّ شَعِيرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ حَمَلْت كُرَّ بُرٍّ فَبِدِرْهَمَيْنِ) فَالْعَقْدُ جَائِزٌ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ، وَالْفَارِسِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ، وَكَذَا الْأَجْرُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْفَسَادَ.
(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُسَافِرَ) الْمُسْتَأْجِرُ (بِعَبْدٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ بِلَا اشْتِرَاطِهِ) أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ فِي خِدْمَةِ السَّفَرِ زِيَادَةَ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ وَعَلَيْهِ عُرْفُ النَّاسِ فَانْصَرَفَ إلَى الْحَضَرِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَةٍ حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَضَرِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ فِي حَقِّهِ إلَّا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ وَقْتَ الْإِجَارَةِ مُتَهَيِّئًا لِلسَّفَرِ وَعُرِفَ بِذَلِكَ فَيَجُوزُ، وَلَوْ سَافَرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَبْدِ الْمُتَأَجَّرِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِمَالِكِهِ إذَا هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلِمَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ، وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ.
(وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا فَعَمِلَ) الْعَبْدُ (وَأَخَذَ الْأَجْرَ لَا يَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ) أَيْ لَا يَسْتَرِدُّ الْمُسْتَأْجِرُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِعَمَلِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ صَحِيحَةٌ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِرِعَايَةِ حَقِّ الْمَوْلَى فَبَعْدَ الْفَرَاغِ رِعَايَةُ حَقِّهِ فِي الصِّحَّةِ وَوُجُوبِ الْأَجْرِ لَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ لِانْعِدَامِ إذْنِ الْمَوْلَى وَقِيَامِ الْحَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ فَالْأَجْرُ لَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ نَفَذَتْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلسَّيِّدِ وَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ آجَرَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَ الْإِجَارَةَ فَأَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى، وَإِنْ أَجَازَ فَأَجْرُ مَا يُسْتَقْبَلُ لِلْعَبْدِ، وَالْقَبْضُ لِلْمَوْلَى، وَإِذَا هَلَكَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ.
(وَلَوْ آجَرَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ نَفْسَهُ) لِآخَرَ (فَأَكَلَ غَاصِبُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (أَجْرَهُ لَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ مَا أَخَذَ مِنْ الْأَجْرِ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ فَأَتْلَفَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُحْرَزٍ؛ لِأَنَّ التَّقَوُّمَ بِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُحْرَزٍ فِي حَقِّ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ فَكَيْفَ يُحْرِزُ مَا فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ آجَرَهُ الْغَاصِبُ فَأَخَذَ أَجْرَهُ فَأَتْلَفَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ قَبْلَ رَدِّهِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ تَصَدُّقِهِ وَهُوَ أَوْلَى لِتَطَرُّقِ خَبَثٍ فِيهِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْتَبَرُ صَحِيحَةً بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلَى مَا مَرَّ فَيَكُونُ الْأَجْرُ رَاجِعًا إلَى مَوْلَاهُ (وَمَا وَجَدَهُ) مِنْ الْأَجْرِ (سَيِّدُهُ) فِي يَدِ الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ (أَخَذَهُ) بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ (وَقَبْضُ الْعَبْدِ أَجْرَهُ) مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ (صَحِيحٌ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَيَخْرُجُ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ عُهْدَةِ الْأُجْرَةِ بِالْأَدَاءِ إلَى الْعَبْدِ.
(وَلَوْ آجَرَ) رَجُلٌ (عَبْدَهُ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ) آجَرَ (شَهْرًا بِأَرْبَعَةِ) دَرَاهِمَ (وَشَهْرًا بِخَمْسَةِ) دَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنْهُمَا (صَحَّ) الْعَقْدُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ وَ (الْأَوَّلُ بِأَرْبَعَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا بِالْجَوَازِ فَيَنْصَرِفُ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الْأَوَّلِ ضَرُورَةً.
(وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا فَأَبَقَ أَوْ مَرِضَ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ، وَالْعَبْدُ مَرِيضٌ أَوْ آبِقٌ وَاخْتَلَفَا (فَادَّعَى) الْمُسْتَأْجِرُ (وُجُودَهُ) أَيْ وُجُودَ الْمَرَضِ أَوْ الْإِبَاقِ (أَوَّلَ الْمُدَّةِ وَ) ادَّعَى (الْمَوْلَى وُجُودَهُ قُبَيْلَ الْإِخْبَارِ بِسَاعَةٍ حُكِّمَ الْحَالُ) أَيْ يُجْعَلُ الْحَالُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ: (فَإِنْ كَانَ) الْعَبْدُ (حَاضِرًا) وَقْتَ الدَّعْوَى فِي صُورَةِ الْإِبَاقِ (أَوْ صَحِيحًا) فِي صُورَةِ الْمَرَضِ (صُدِّقَ الْمَوْلَى) وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا أَوْ صَحِيحًا وَقْتَ الدَّعْوَى (فَالْمُسْتَأْجِرُ) أَيْ يُصَدَّقُ الْمُسْتَأْجِرُ وَيُحْكَمُ بِأَنَّ مَرَضَ الْعَبْدِ أَوْ إبَاقَهُ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ.
(وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي انْقِطَاعِ مَاءِ الرَّحَى وَجَرَيَانِهِ) أَيْ: وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: مَاءُ الطَّاحُونَةِ كَانَ جَارِيًا فِي الْمُدَّةِ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: لَمْ يَكُنْ جَارِيًا فِيهَا فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ إنْ كَانَ جَارِيًا وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَحَى مَاءٍ وَبَيْتَهَا وَمَتَاعَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَانْقَطَعَ الْمَاءُ سَقَطَ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ الْإِجَارَةَ حَتَّى عَادَ الْمَاءُ لَزِمَتْهُ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الِانْقِطَاعِ يُحَكَّمُ الْحَالُ.
(وَلَوْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغْتَهُ أَصْفَرَ، وَقَالَ الصَّانِعُ: أَمَرْتنِي بِمَا صَنَعْتُ صُدِّقَ رَبُّ الثَّوْبِ)؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الثَّوْبِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِكَيْفِيَّتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، أَلَا يَرَى لَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ صِفَتَهُ.
(وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْقَمِيصِ، وَالْقَبَاءِ) بِأَنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَعْمَلَهُ قَبَاءً.
وَقَالَ الْخَيَّاطُ: قَمِيصًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ أَيْضًا مَعَ يَمِينِهِ (فَإِنْ حَلَفَ) رَبُّ الثَّوْبِ (ضَمِنَ الصَّانِعُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ غَيْرَ مَعْمُولٍ) أَيْ صَاحِبُ الثَّوْبِ بَعْدَ الْحَلِفِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ (وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى) عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ مَا زَادَ الصَّبْغَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ.
(وَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: عَمِلْتَ لِي بِلَا أَجْرٍ، وَقَالَ الصَّانِعُ: بِأَجْرٍ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ)؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَقَوُّمَ عَمَلِ الصَّانِعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَلَا يُنْكِرُ الضَّمَانَ، وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْقِيَاسِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَاحِدٍ: الْقَوْلُ لِلصَّانِعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) الْقَوْلُ (لِلصَّانِعِ إنْ كَانَ حَرِيفًا) أَيْ مُعَامِلًا (لَهُ) بِأَنْ سَبَقَ بَيْنَهُمَا أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ يَلْزَمُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ الْمُعَامَلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُ بِأَجْرٍ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الِاشْتِرَاطِ فِي الِاسْتِحْسَانِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) الْقَوْلُ (لِلصَّانِعِ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَمَلِهِ بِالْأَجْرِ)؛ لِأَنَّهُ فَتَحَ الْحَانُوتَ لِأَجْلِ الْأَجْرِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى اعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَجَوَابُ الْإِمَامِ عَنْ اسْتِحْسَانِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَهُنَا تَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ.